البابا فرنسيس: الصلاة تغيّر الواقع

البابا فرنسيس: الصلاة تغيّر الواقع

هي الانتصار على الوِحدة واليأس

“ما من صلاة لا تُستجاب، لأنّ الله أب وهو لا ينسى أبناءه الذين يتألّمون” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في مقابلة الأربعاء العامة مع المؤمنين في قاعة “بولس السادس” في الفاتيكان.

وقال الأب الأقدس في التعليم حول “صلاة الأبانا”: نرى يسوع كمصلّي. إنَّ يسوع يصلّي. في رواية لوقا على سبيل المثال، ينبثق حدث التجلّي من لحظة صلاة: “وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق” (لوقا ۹، ٢۹). لكن يبدو وكأنَّ كلَّ مرحلة من حياة يسوع يحرّكها الروح القدس الذي يقوده في جميع أعماله. يصلّي يسوع في المعموديّة في الأردنَّ ويحاور الآب قبل أن يتّخذ القرارات المهمّة، وغالبًا ما كان ينفرد للصلاة، يتشفّع لبطرس الذي سينكره بعد ذلك بقليل، ويقول له: “سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة. ولكِنَّي دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ. وأَنتَ ثَبَّتْ إِخوانَكَ متى رَجَعْتَ” (لوقا ٢٢، ٣١-٣٢). هذا الأمر يعزّينا: أن نعلم أن يسوع يصلّي من أجلنا، يصلّي من أجلي ومن أجل كلِّ فرد منا لكي لا يضعف إيماننا. وهذا أمر صحيح. قد يسألني أحدكم: “ولكن يا أبتي، هل ما زال يقوم بذلك؟”؛ نعم، هو يصلّي أمام الآب، يسوع يصلّي من أجلي. ويمكن لكل فرد منا أن يقول ذلك، ويمكننا أن نقول بشجاعة ليسوع أيضًا: “أنت تصلّي من أجلي، استمرّ في ذلك لأنني بحاجة إلى الصلاة”.

أضاف: حتى موت المسيح يغوص في جوٍّ من الصلاة، لدرجة أنَّ ساعات الآلام تظهر مطبوعة بهدوء مدهش: يعزّي يسوع النساء ويصلّي من أجل صالبيه، ويَعِد لصَّ اليمين بالفردوس، ويلفظ الروح قائلاً: “يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!” (لوقا ٢٣، ٤٦). يبدو أنَّ صلاة يسوع تخفف المشاعر العنيفة ورغبات الانتقام والثأر، وتصالح الإنسان مع عدوّه اللدود: الموت. وفي إنجيل لوقا أيضًا نجد الطلب الذي يعبّر عنه أحد التلاميذ بأن يعلّمهم يسوع الصلاة، ويقول له، إذ كانوا يرونه يصلّي: “يا ربّ، عَلِّمنا أَن نُصَلِّيَ” (لوقا ١١، ١). ويمكننا نحن أيضًا أن نقول للرب: “علّمنا يا رب، أنت يا من تصلّي من أجلي، علّمني أن أُصلّي لأتمكن بدوري من الصلاة أيضًا”. من هذا الطلب – “يا ربّ، عَلِّمنا أَن نُصَلِّيَ” – يولد تعليم واسع، يشرح من خلاله يسوع لتلاميذه بأية كلمات وأيّة مشاعر ينبغي عليهم أن يتوجّهوا إلى الله.

وتابع: إن القسم الأول من هذا التعليم هو “صلاة الأبانا”. إِذا صَلَّيتُم فَقولوا: “أيها الآب الذي في السماوات”. “أيها الآب”: جميلة جدًّا هذه الكلمة… بهذه الكلمات يُفهمنا يسوع أنَّ الله يجيب على الدوام وأنَّه ما من صلاة لا تُستجاب، ولماذا؟ لأنّه أب لا ينسى أبناءه الذين يتألّمون. إن هذه التصريحات بالتأكيد تضعنا في أزمة لأنّه يبدو أنَّ العديد من صلواتنا لا تجد نتيجة. كم من مرّة طلبنا ولم ننل – وجميعنا قد اختبرنا هذا الأمر – وكم من مرّة قرعنا ووجدنا بابًا مغلقًا؟ ينصحنا يسوع في تلك اللحظات بأن نُصرَّ وألا نستسلم. إنَّ الصلاة تحوّل على الدوام، هي تغيّر الواقع. وإن لم تتغيّر الأمور حولنا، نتغيَّر نحن على الأقل وتتغيّر قلوبنا. ويسوع قد وعد بعطيّة الروح القدس لكل شخص يصلّي. يمكننا أن نكون متأكّدين من أن الله سيجيب. إنَّ الشكَّ الوحيد متعلِّق بالأوقات، ولكن لا نشكَّنَّ أبدًا بأنّه سيجيب. قد يتوجّب علينا ربما أن نُصرَّ مدى الحياة ولكنّه سيجيب. لقد وعدنا بذلك: هو ليس كأب يعطي حيّة بدلاً من السمكة. لا يوجد شيء أكيد أكثر من اليقين بأنَّ الرغبة في السعادة التي نحملها جميعًا في قلوبنا ستتحقق يومًا ما. يقول يسوع: “أَفما يُنصِفُ اللهُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونه نهاراً ولَيلاً وهو يَتَمهَّلُ في أَمرِهم؟” (لوقا ١٨، ٧). نعم هو ينصف ويصغي إلينا.

وختم البابا فرنسيس: سيكون ذلك اليوم يوم مجد وقيامة! إن الصلاة هي منذ الآن الانتصار على الوحدة واليأس. إن الصلاة تغيّر الواقع، لا ننسينَّ هذا الأمر أبدًا.

* * *

المصدر: موقع “إذاعة الفاتيكان”

التاريخ: 9 كانون الثاني 2019

2019-01-16T08:58:38+00:00